صدرت سيرتها الذاتية عن دار بعد البحر فى طبعة أنيقة، كتب المقدمة برشاقته المعهودة الدكتور محمد المخزنجى، وتحدث عن الجسد الرقيق الذى ولد بإعاقة خلقية منعتها من المشى كما يمشى عامة الناس. وفى مقدمة الكاتبة تشعر بآلام الجسد الذى تعذب كثيرًا ليعيش ويعمل ويبدع. ولدت عام ١٩٤٨ بعيب خلقى فى القدمين والساقين مع خلع فى الحوض لأب مهندس بترول، وبدأت حياتها منذ الطفولة فى إجراء عمليات جراحية متتالية فى مصر والخارج، وانتقلت العائلة من شقة بالإيجار فى الزمالك إلى فيلا بناها الأب فى الدقى. دخلت فاطمة المدرسة الإنجليزية بالقسم الداخلى مع أختها التوأم، وكانت ظروف فاطمة صعبة وقدرتها على المشى مستحيلة، وبعد العديد من العمليات الجراحية فى مصر استطاعت المشى، ثم انتقلت إلى مدرسة الزمالك الابتدائية وبدأت تسمع كلمة عرجاء للمرة الأولى. كانت متعتها الوحيدة هى قراءة الروايات المصرية والأجنبية، وقد حررتها القراءة من القيود وأكسبتها ثقة بنفسها، وبعد أن قرأت رواية «نادية» ليوسف السباعى وبطلتها مصابة بشلل الأطفال فتوحدت مع بطلة الرواية من شدة الانفعال وكتبت خطابًا مفعمًا بالإنسانية والتعاطف للسباعى. واستمر تبادل الخطابات بينهما، ثم دعاها إلى مقابلته فى مكتبه بالزمالك، وبعد جلسة حميمة نصحها بقراءة يوسف إدريس وتوفيق الحكيم والاستمرار فى القراءة. ثم التحقت بمدرسة الأورمان الثانوية بنات وكان امتحان الثانوية فى ١٩٦٧، وتحكى فاطمة بالتفصيل استقالة عبد الناصر والتنحى والمظاهرات الضخمة التى ترفض التنحى وتقول إن المظاهرات كانت أيضًا تعبيرًا عن الغضب. ونجحت فى الثانوية العامة، والتحقت بكلية الفنون الجميلة بالإسكندرية بقسم العمارة، وتتذكر فضل د. أحمد عثمان العميد والنحات الكبير، وفى العام التالى انتقلت إلى الفنون الجميلة فى الزمالك فى فترة مرعبة من تاريخ مصر أصبح فيها النحت حرامًا. الحياة الجامعية كانت صعبة ولكنها تتذكر حبها للموسيقى الكلاسيكية وزيارتها مع زملائها قاعة سيد درويش فى الهرم وكانت تذكرة الطلبة بخمسة قروش. وفى عام ١٩٧٠ قررت فاطمة أن تسافر مع أختها التوأم عزيزة برحلة أوتوستوب فى أوروبا، اشترتا تذكرة إلى أثينا بالطائرة ثمنها ٢٣ جنيهًا وسافرتا بالقطار إلى يوغوسلافيا ثم النمسا وأقامتا فى بيوت الشباب وفرشتا على الأرض بعض الأشياء والتى أحضرتاها من مصر، وقامتا بالبيع ثم وصلتا إلى برلين الغربية وتركت أختها فى ألمانيا وعادت إلى الجامعة فى مصر بعد رحلة رائعة. وفى العام التالى أعادتا الكرة فى الصيف برحلة أخرى، وذهبت إلى لندن واشتغلت جارسونة فى مطعم وكل ذلك بالرغم من الإعاقة وقابلت رجلًا مثقفًا ساعدها على معرفة الفن والثقافة فى لندن، وفى الزيارة الثالثة إلى لندن كانت أصبحت مهندسة فالتحقت بمكتب هندسى صباحًا وعاملة فى مطعم مساءً. ولكن عاودتها آلام القدم وأجريت لها جراحة فى لندن، واستمرت لمدة شهر فى السرير فى آلام رهيبة. وتتحدث عن عروض الزواج من زميل غنجليزى وزملاء مصريين ولكنها اعتذرت عنها. وفى مصر فى عام ١٩٧٧ وقبل أن تفك الجبس أو ينزعوا المسمار من قدميها التحقت للعمل بدار الهندسة وانتقلت للعمل فترة فى لبنان وكانت لها سهرات وجلسات ثقافية كثيرة وعادت إلى مصر عام ١٩٨١. ثم سافرت إلى أمريكا على منح السلام، وذهبت إلى العاصمة واشنطن لتدريس الطاقة الشمسية السالبة فى العمارة ولم تكن رحلتها لأمريكا سعيدة، لم تشعر بالدفء وكان زملاؤها طلبة صغار واستطاعت أن تتعرف على أصدقاء وأقارب، وشاركت فى الحركة الفنية وتحكى تعقيدات الحياة فى أمريكا، ثم أجرت فى مصر عملية جراحية جديدة فاشلة نتج عنها أن قصرت ساق عن الأخرى وساءت حالتها النفسية. وسافرت إلى روسيا لإجراء جراحة عند طبيب شهير يقوم بتطويل العظام وساعدتها فى ذلك صديقتها روكسانا التى عرفتها على رفعت السعيد الذى أوصى عليها اللجنة المركزية للحزب الشيوعى فى موسكو وسافرت كضيفة على الحزب، وعوملت معاملة ممتازة واستمرت عامًا كاملًا حتى أجريت العملية بنجاح وتم تطويل الساق بمقدار ٤ سم. وفى عام ١٩٨٦ توفيت أختها الشابة فى الثلاثينيات من عمرها فى لندن تاركة ابنها رامى، وتفاهمت العائلة مع الأب الإنجليزى أن يرسل الابن ليعيش مع فاطمة كابنها وعاش فى مصر حتى التحق بالجامعة فى إنجلترا. وفى نهاية هذه الفترة شعرت أنها غير قادرة على الاستمرار فى العمل فى دار الهندسة واستقالت. وتزوجت فاطمة بعد وفاة أمها بفترة قصيرة من هشام، وهو مهندس وكلاهما كان فى الخمسين من العمر، وكان الأصدقاء جميعًا سعداء بهذا الزواج وتعرفت فاطمة على هشام عام ١٩٨٢ فى ليلة رأس السنة، وعرفها عليه الكاتب رؤوف مسعد. معرفتى بهشام تعود إلى عام ١٩٧٢ حين كانت مصر تغلى بالمظاهرات تطالب بتحرير سيناء، وكانت أخت هشام طالبة طب، وكنت مهتمًا بالحركة الطلابية وأنا مدرس شاب فتعرفت على هشام طالب الهندسة وبهرنى حماسه وتنظيمه وحبه للوطن واستمرت العلاقة عن بعد حتى تم زواجه من فاطمة التى كنت أيضًا أعرفها من فترة. وتعبر فاطمة عن سعادتها مع هشام وسفرهما خارج وداخل مصر. قامت فاطمة بإنشاء ورشة لصناعة الزجاج الملون المعشق بأنواعه واحترفت هذه المهنة الصعبة فنيًا وبدنيًا. تعرفت على الحاج عثمان الذى كان شابًا يعمل فى ورشة زجاج معشق يمتلكها يهودى رحل عن مصر عام ١٩٥٢ وأصبح عثمان هو الوريث الشرعى والذى ساعد فاطمة بتوريد الزجاج والرصاص. وبدأ الزبائن يطلبون منها عمل شباك ملون بالزجاج المعشق، ومنذ عام ١٩٨٧ وحتى ٢٠١٢ تفرغت تمامًا لهذه الصناعة، وخرجت من تصميمات تيفانى إلى تصميمات خاصة بها، وبعض أعمالها كانت تعرض وتباع فى باريس. وقامت بتصميمات فرعونية وإسلامية ومودرن ثم صممت شبابيك مسجد وقبة سماوية وطلبتها الكاتدرائية المرقسية بالعباسية لعمل شبابيك من زجاج معشق، واتفقت على تنفيذ ما يصممه الدكتور فانوس بحيث يكون العمل مماثلًا للفن القبطى القديم، وعملت فى الكاتدرائية فترة طويلة حتى تم العمل على أكمل وجه. وتتحدث عن لقائها مع البابا شنودة بعد أن أتمت العمل الذى صممه الدكتور فانوس، واعترض البابا على جزء من التصميم خاص بالتاريخ المسيحى، وقام د. فانوس بتعديل التصميم ونفذت فاطمة العمل، وكان البابا سعيدًا بالعمل وبالمقابلة معها. ملحق بالكتاب مجموعة من الصور لأعمالها الجميلة وأماكنها فى مصر وفى الخارج، وأهدت مكتبتها وكل معداتها لكلية الفنون الجميلة بعد التقاعد واستمر نشاطها فى التدريس فى مدرسة للتلاميذ ذوى الإعاقة وقدمت لهم خدمات جليلة. فاطمة الطنانى فنانة ومهندسة عظيمة مكافحة تغلبت على الإعاقة وكسبت المعركة. سعيد بكتابها وسعيد بصداقتنا. «قوم يا مصرى.. مصر دايمًا بتناديك». الكاتب / د. محمد أبو الغار إصدار دار نشر بعد البحر -BEBa Editions 2024 عن جريدة المصري اليوم : هنا https://www.almasryalyoum.com/news/details/3246573
0 Comments
Leave a Reply. |
Authorدار نشر بعد البحر Archives
December 2024
Categories |